أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية
  • مُتاح عدد جديد من سلسلة "ملفات المستقبل" بعنوان: (هاريس أم ترامب؟ الانتخابات الأمريكية 2024.. القضايا والمسارات المُحتملة)
  • د. أحمد سيد حسين يكتب: (ما بعد "قازان": ما الذي يحتاجه "بريكس" ليصبح قوة عالمية مؤثرة؟)
  • أ.د. ماجد عثمان يكتب: (العلاقة بين العمل الإحصائي والعمل السياسي)
  • أ. د. علي الدين هلال يكتب: (بين هاريس وترامب: القضايا الآسيوية الكبرى في انتخابات الرئاسة الأمريكية 2024)

مقاربات جديدة:

نحو نهج أورو ـ أمريكي جديد بالمنطقة العربية

28 فبراير، 2015


إعداد: أحمد عبد العليم

مع حلول الذكرى السنوية الرابعة للانتفاضات الشعبية التي قامت في عدة دول عربية منها (مصر، وليبيا، وتونس)، يبدو من الضروري الحديث عن كيفية تعامل كل من الولايات المتحدة وكذلك دول الاتحاد الأوروبي مع تلك الانتفاضات، خاصةً وأنهما كانا قد قدما العديد من التعهدات الاقتصادية من أجل دفع عمليات التحوُّل الديمقراطي في تلك البلدان.

في هذا السياق، تأتي هذه الدراسة المعنونة: "النهج الأطلسي تجاه العالم العربي.. الاستقرار من خلال التشاركية، والحكم الرشيد، والازدهار"، والصادرة عن المجلس الأطلسي Atlantic Council، وقد أعدَّها كل من "فرانسيس بورويل"  Frances G. Burwellمدير برنامج العلاقات عبر الأطلسي ونائب رئيس المجلس الأطلسي، و"دانيا جرينفيلد" Danya Greenfield مديرة مركز رفيق الحريري للشرق الأوسط بالمجلس الأطلسي، و"إيمي هوثورن" Emy Hawthorne الباحثة في مركز رفيق الحريري للشرق الأوسط بالمجلس الأطلسي.

يحاول الباحثون في هذه الدراسة البحث عن أسباب فشل كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في التعاطي مع مرحلة ما بعد الانتفاضات الشعبية بعدد من الدول العربية، والفشل في تقديم دعم قوي وحقيقي لتلك الانتفاضات الشعبية من أجل تحقيق الديمقراطية في الشرق الأوسط، بالإضافة إلى تقديم نهج جديد يمكن من خلاله لواشنطن والاتحاد الأوروبي إصلاح ما يمكن إصلاحه، وتفادي تكرار مزيد من الأخطاء تجاه دول المنطقة.

صعوبات مرحلة ما بعد الانتفاضات الشعبية

يتساءل الباحثون عن الأسباب الرئيسية لفشل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في تقديم الدعم الكافي للانتفاضات العربية من أجل تحقيق الانتقال السلمي للسُلطة والتحوُّل الديمقراطي الناجح، ويشيرون إلى أن السبب الرئيسي يكمن في أن فترة ما بعد الانتفاضات كانت أصعب مما هو متوقع، حيث استندت ردود الفعل الأمريكية والأوروبية إلى افتراضات أولّية غير واقعية بشأن التغيير السياسي والاقتصادي بشكل سلمي، حيث تم التركيز على الانتخابات على حساب حقوق الإنسان وبناء مؤسسات فاعلة وتحقيق إصلاحات اقتصادية حقيقية، وهو ما جعل الديمقراطية تتوقف عقب الانتفاضات وتواجه ردّ فعل سلطوي عنيف جرّ سوريا إلى حرب أهلية، ودفع اليمن وليبيا إلى عنف قبلي كبير.

وبالتالي فإن الانتخابات لم تؤد إلى تحقيق الديمقراطية، بل أدّت إلى فوضى وانهيار لتلك الدول عقب انتفاضاتها، وبدت الولايات المتحدة، ومن خلفها الاتحاد الأوروبي، غير قادرين على تغيير النهج، وبدوا عالقين دون تقديم حلول فعّالة لتجاوز تلك الدول أزماتها. كما تردد الغرب بشكل كبير في التدخُّل خوفاً من الاستياء العربي الرافض للتدخل الخارجي في مجريات ما بعد الانتفاضات.

ويمكن القول إن تلك الانتفاضات الشعبية قد باءت بالفشل، وبات العالم العربي يشهد صراعات عنيفة، وتوترات طائفية، وانحدار للدولة وهياكلها. وقد عادت الولايات المتحدة وأوروبا لنمط ما قبل 2011 بأولوية التحديّات الأمنية من خلال التعاون الوثيق مع الحكومات العربية في مجال الأمن والاستخبارات. ومع ذلك تحاول واشنطن جنباً إلى جنب مع أوروبا دعم النظم السياسية الشاملة التي يمكن أن توفِّر الحقوق الأساسية للمواطنين العرب، وتوفير الأمن الدائم، مع تقديم اقتصاد أكثر ازدهاراً.

ويرى الباحثون أن الأولوية الأمنية لإدارة أوباما وللدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي تجاه الشرق الأوسط نابعة بالأساس من الرغبة في منع إيران من امتلاك أسلحة نووية، وكذلك مواجهة الخطر المتفاقم لتنظيم "داعش" في العراق وسوريا، بالإضافة إلى التنظيمات الإرهابية الأخرى في المنطقة، وهو ما جعل الموضوعات الخاصة بحقوق الإنسان والديمقراطية تنحسر وتترك الصدارة لصالح الأمن ومكافحة الإرهاب، وهو ما أكده خطاب الرئيس الأمريكي باراك أوباما في الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي ركَّز على الحملة الدولية لمواجهة "داعش"، وأشار بشكل طفيف إلى الحاجة للإصلاح السياسي، وبالمثل بات الخطاب الأوروبي أقل تحفظاً فيما يتعلق بحقوق الإنسان في الشرق الأوسط.

الحاجة إلى نهج أورو- أمريكي جديد

تشير الدراسة إلى أن فشل التعاطي مع مجريات الأمور في الشرق الأوسط بعد الانتفاضات الشعبية، أدى إلى وجود إرهاب وتطرُّف وصراع عنيف في المنطقة، وهذه المشكلات سوف تؤثر سلباً على الأمن في الولايات المتحدة وأوروبا، وهذا هو الدرس الذي لم يستوعبه الغرب، حيث إنه وبعد هجمات 11 سبتمبر 2011 تمَّ التركيز على مواجهة الإرهاب في المنطقة دون تقديم دعم للأنظمة السياسية الحاكمة من أجل تحقيق تقدم اقتصادي، بل وتمَّ الإبقاء على الأنظمة الاستبدادية في بعض الدول، وهو ما كان نتاجه صعود "داعش" بعد أربعة عشر عاماً، وزيادة تهديد الجهاديين التكفيرين ضد الغرب، وهم يحملون جوازات سفر غربية.

وتؤكد الدراسة على ضرورة النظر إلى الانتفاضات التي حدثت في عام 2011 على أنها ليست النهاية، بل هي عملية طويلة من التغيير الإقليمي في ظل وجود شباب مُحبط يواجه القمع في ظل اقتصاد هزيل وأوضاع غير مستقرة وحكومات غير فاعلة، ويتساءل الباحثون عن قيمة إنفاق الموارد من جانب الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي من أجل تحقيق تغيير في الشرق الأوسط دون أن يحدث ذلك التغيير بالفعل؟

وتضيف الدراسة أن الإحباط الغربي مما يحدث في الشرق الأوسط ينبغي ألا يستتبعه تكاسل أو تعب، لأن الحل ليس في التخلِّي عن هذا الدور بل في تحويله إلى دور مؤثر وفعّال، ولذا ثمة حاجة إلى نهج جديد يركز على الانخراط في دعم التحول الديمقراطي، ودعم مبادئ الديمقراطية الأساسية بالضغط على قادة تلك الدول من أجل تعزيز قضايا حقوق الإنسان، وتفعيل الحركات الشعبية الوليدة في مواجهة الأنظمة السياسية، حتى لو أخذ هذا بعض الوقت، وهذا ليس ترفاً للغرب ولكنه ضرورة، حيث لا يملك المجتمع عبر الأطلسي إلا أن يكون شريكاً ثابتاً في دعم أولئك الذين يسعون إلى التحوُّل الديمقراطي السلمي وإلى التعددية السياسية وسيادة القانون، أو إن عليه البقاء على الهامش حتى تصبح القضايا أخطر وأكثر إلحاحاً.

ويرى الباحثون أن هذا التوقيت هو لحظة مناسبة من أجل تطوير استراتيجية مشتركة طويلة الأمد لدعم الدول العربية من أجل أن تصبح أكثر انفتاحاً، ومن أجل تعزيز أنظمتها السياسية والاقتصادية، وعلى أوباما قبل نهاية ولايته أن يدعم جنباً إلى جنب مع الاتحاد الأوروبي سُبل دعم مستقبل أفضل لشعوب منطقة الشرق الأوسط، ويتطلب ذلك أدواراً دبلوماسية وسياسية وتقديم مساعدات مختلفة، ويعتبر هذا الدور أمراً مُلّحاً لأوروبا لأن العالم العربي يتقارب جغرافياً معها، وثمة حاجة لتواجد أكثر للاقتصاد وللاستثمارات الأوروبية في المنطقة.

ويؤكد الباحثون على أهمية تقديم حزمة من الحوافز للحكومات العربية من قِبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي من أجل تحقيق الديمقراطية والتقدم الاقتصادي، وهو ما يجب أن يكون بمثابة نهج جديد وشامل تجاه الشرق الوسط، ومن هذه الحزمة من الحوافز ما يلي:

ـ إتاحة فرصة الوصول للأسواق المتميزة في الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي.

ـ المساعدات المالية والمساعدات الإنمائية، والضغط في المنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة وصندوق النقد الدولي والبنك الأوروبي للإنشاء والتعمير، من أجل تقديم الدعم المالي للحكومات العربية.

ـ تقديم الإصلاحات الاقتصادية المتمثلة في الارتقاء بالتعليم المهني والتقني.

ـ تعزيز المجتمع المدني، ودعم اللامركزية والحكم المحلي، وبناء المؤسسات الفاعلة، وإصلاح الشرطة والقضاء.

نحو مقاربة أطلسية لمواجهة القضايا الأمنية

يشير الباحثون إلى ضرورة متابعة الأولويات الأمنية المُلحة، إلى جانب الجهود المشتركة لمواجهة "داعش"، خاصةً وأن ثمة اختلالاً وانهياراً لبعض دول المنطقة، مثل اليمن وليبيا، وهو ما يتطلب استجابة كل من الولايات المتحدة والقيادة الأوروبية من أجل منع مزيد من الصراعات، حيث يتوجب تحفيز الحوار الوطني والمصالحة الوطنية كخيارات لا غنى عنها من أجل وقف العنف في هذه الدول، وهو ما يتطلب دوراً إقليمياً أمريكياً ـ أوروبياً لحل هذه الأزمات عن طريق مساعدة دول الخليج لإنقاذ هذه الدول، والتأكيد على أن الحلول ليست عسكرية بشكل خاص ولكنها سياسية في جوهرها تؤكد على بناء أنظمة سياسية جديدة قادرة على تحمل المسؤولية، وأن أي اتجاه آخر غير ذلك لن يؤدي إلا لمزيد من العنف وعدم الاستقرار.

كما يتوجب تقديم الدعم الواسع للديمقراطيات الوليدة التي يمكن اعتبار تونس أبرز مثال عليها، وأن يقوم النهج الأمريكي- الأوروبي تجاه هذه الدول على احترام مبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان، مع تجنُّب الحديث عن إصلاحات اقتصادية فقط دون أن تؤدي إلى نمو شامل حقيقي، والتركيز على التعددية ليس فقط عن طريق الانتخابات ولكن عن طريق تعزيز المشاركة مع منظمات المجتمع المدني والجهات الفاعلة المستقلة، وإصلاح القطاع الأمني في ظل التهديدات الأمنية الكبيرة في المنطقة.

من ناحية أخرى، يشير الباحثون إلى أن الدول العربية التي لم يحدث فيها انتفاضات شعبية مثل الأردن والجزائر والمغرب، يوجد بها إصلاحات اقتصادية أكبر من ذي قبل، ولكن – من وجهة نظرهم – فإن الإصلاحات في المجال السياسي ماتزال محدودة، وبالتالي فإن تصدير الصورة الشعبية القائمة على الرضا في هذه الدول تبدو غير حقيقية؛ ومن ثم لابد أن يكون هناك انفتاح سياسي أكبر من أجل ألا يحدث سخط اجتماعي، حيث إن انتفاضات 2011 أثبتت أن الإصلاحات من أعلى إلى أسفل لا يمكن أن تؤدي إلى الاستقرار.

ختاماً، يُوجز الباحثون أهم المتطلبات الرئيسية للسياسات الأمريكية - الأوروبية تجاه الدول العربية كالتالي:

ـ عدم توحيد التوجُّهات، حيث إن كل بلد له ظروفه ووضعه، وبالتالي يختلف نهج التعامل من دولة لأخرى تبعاً للأولويات، ولكن بشكل عام يجب التركيز على المجالات الرئيسية مثل (القيم الديمقراطية، وأهمية المجتمع المدني، والنمو الاقتصادي العادل، وزيادة إدماج الشباب في الاقتصادات والأنظمة السياسية).

ـ إجراء تقييم شامل لبرامج المساعدات، سواء من الولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي، من أجل تحديد المجالات ذات التأثير الحقيقي والهام مثل برامج خلق فرص العمل، وتدريب المجتمع المدني.

ـ تعزيز دور دول الخليج في البلدان التي تمر بمرحلة انتقالية، وإن كان ذلك ليس سهلاً في ظل وجود أجندات متباينة في بعض القضايا، لاسيما الموقف من وجود الإسلاميين في الحياة السياسة.

ـ التأكيد على أن أي تقدم اقتصادي لابد أن يتوازى مع تطوير سياسي، حيث إن القضايا الاقتصادية والسياسية متسقة وموحدة، ولا يمكن الإخلال بأي منهما لصالح الأخرى.

* عرض مُوجز لدراسة: "النهج الأطلسي تجاه الدول العربية.. الاستقرار من خلال التشاركية، والحكم الرشيد، والازدهار"، والمنشورة عن المجلس الأطلسي Atlantic Council،  في يناير 2015.

المصدر:

Frances G.burwell, Danya Greenfield and Amy Hawthorne,  A Transatlantic Approach for the Arab World: Stability through Inclusivity, Good Governance, and Prosperity (Washington, Atlantic Council, January 2015).